الأربعاء، أغسطس 18، 2010

كتاب يوميات مجنون رسمي " المقدمة"

يوميات مجنون

رسمـــي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلي من يهمه الأمر ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الكتاب ليس للسخرية أو مدعاة للضحك إنما هو شكوى صريحة جريحة لسيدي – وتاج رأسي – الفاضل الذي تفتحت مقلتي عليه و ترعرعت في زمام سلطته ؛ بل و تملكتني أفكاره الرائعة التي قد أتفق مع بعضها ، و أختلف مع البعض الآخر ، أحاول بكل تواضع و إخلاص مناقشة الأوضاع المتردية التي وصلت إليها بلادي ، وكما يعلم الجميع أن شر البلية ما يضحك فشعبي الجليل – ابن نكته – يعشق الفكاهة حتى في أوقات العسر ، ففي تلك اللحظات التي أسطر فيها تاريخ يومياتي مازلت عاطل ، أعزب ، أكتسب قوت يومي – آكل و أشرب بس – بكثير من العناء ، وكثير الكثير من التنازلات المهينة التي لا يتحملها سوى – مجنون رسمي – شاب مكافح يريد الاستقرار في بلده غير ساعٍ للهجرة .. شاب أراد أن يحقق ذاته – في المشمش – علي أرض بلده الحبيب ، متيم بترابها الطاهر .


مازالت حكمة سيادتكم تقهر فرسان الظلم الذين يحاولون جاهدين بشتى الطرق تدنيس هذه الأرض ، واغتصاب ثرواتها ؛ مازالت بصيرتكم هي بصيص الأمل الذي أتشبث به حتى أحيا و أموت بكرامة !! في ظل حياة تكفل لي – علي الأقل – رفع هامتي بين صنوف البشر بمختلف أعراقهم و لغاتهم .


مازلت طامعاً في لقائك سيدي حتى أرتاح و أزيل هموم حياتي علي أعتاب مقامكم الرفيع ، و أن تـُثلج كلماتكم الكريمة صدري الملتهب المحترق بنار البؤس ، و الفقر ، و سوء الحال لكن في الأحلام !! كل ما أدونه هو مجرد أحلام أتمني أن أعيشها بين طيات أوراقي !!


لن تصدق أن أصدقائي طوال مشوار حياتي لا يتعدون أصابع اليد الواحدة .. لن تصدق أن ابتسامتي ذهبت عني فأنا لم أضحك منذ زمن بعيد !! كثيراً ما أرتاح في انفرادي بنفسي ، و بين أربع جدران قد دونت عليها أجمل قصائدي ، وشهاداتي ؛ فكلما رأيتها ازداد إحباطي ، هل تصدق أني أتلذذ بالوحدة ؟! لقد عشقت العزلة ، ويتمتني الغربة في بلدي .. سيدي كل ما أتمناه هو أن أطير بجناحي – مش أموت !!- حتى أصل عنان السماء و أصيح بصوتٍ عالٍ حتى تسمعني كل الدنيا بأكملها .. تحيا بلادي .. تحيا بلادي .. تحيا بلادي ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اليوم هو الجمعة من شهر مارس الموافق أربعة منه ؛ فنحن كالعادة نجتمع في منزل صديقنا حسام نتجاذب أطراف الحديث عما مضي ، نهيم في ذكريات الماضي .. نسبح في أوقات الحاضر .. ننسج أجمل ثوباً للمستقبل .. نبحر في أنهار النميمة ؛ فلا تترك إخلاص أحداً من الجيران أو أصدقاء العمل إلا وسردت لنا تاريخ حياته الأسبوعي ؛ أما ماضي فتحدث عن أحد أصدقائنا العائد بعد أيام من بلاد لم تطأها قدمي و لو حتى علي سبيل المزاح .. تحدث عن مراد ملياً ، وعن حياته الرغدة و زواجه من أجل الجنسية حتى أن استقر به الحال في أهم الوظائف المرموقة .. صمت ماضي قليلاً ثم بادلني النظرات و استطرد :

- لو مراد جالك البيت يا كمال هتعزمه علي إيه ؟

وجدتني أتحدث بعفوية و سذاجة مطلقة علي غير العادة :

- فول و طعمية ..

و ما أن انتهيت من كلماتي حتى انطلقت صيحاتهم جميعاً ، و دويت ضحكاتهم أرجاء المكان ؛ بدأ يطلق البعض النكات السخيفة ، بينما البعض الآخر اكتفي بالمشاهدة و الاستمتاع بالضحك ، أما أنا فقد احمر وجهي خجلاً متعجباً فقال ماضي وهو يحاول كتم ضحكاته :

- يعني لو مراد جالك بيتك هتعزمه علي فووول و ط....

ثم ارتفعت أصوات ضحكاته فلم يستطيع كبت مشاعره أو كبح جماح استهتاره بينما أنا اكتفيت بالنظر إليه و تحدثت باستخفاف :

- هو مش جاي بيتي .. هاعزمة أكيد علي اللي باكل منه .. يبقي أكيد فول وطعمية !!

ثم علت أصوات ضحكاتي ، وتابعني البقية ،خرج علينا جلال بكلماته المستفزة و هو يشير للجميع بالسكوت :

- علي كدا بقي لو الريس جالك بيتك هتعزمة علي فول و طعمية ؟!

لا أعلم وجه المقارنة الذي وضعني فيه لكني لم أتردد ، وانطلقت كلماتي تسبقني بإصرار:

- طبعاً .. فول و طعمية .

ادعاني بالجنون ثم انفض المجلس باكراً اليوم وذهبنا فلدينا يوماً حافلاً من عناء العمل .. جلست علي أريكتي الموجودة في ركن الصالة .. استأت كثيراً من نفسي فما يعيب هذا الطعام ؛ ثم استرجعت شريط الحوار حتى توقفت عند كلمات جلال وسؤاله:

- علي كدا بقي لو الريس جالك بيتك هتعزمة علي فول و طعمية ؟!

ترددت هذه الكلمات كثيراً علي مسامعي فوجدتني و بدون داعي أعلو بصوتي :

- وليه لأ ؟!! هو مش دا اللي باكل منه ..

ما هو الداعي لكي ينعتني بالجنون ..؟!و من هذا المنطلق قررت أن أشكو للريس من سوء حديث ماضي ، و افتراءات جلال ؛ لكن كيف أستطيع مقابلة الرئيس ..؟! و هنا تذكرت إحدى مقالات الأستاذ / إبراهيم عيسي التي كان يتحدث فيها عن عبيد المنزل و عبيد الحقل .. كما أشار في مقالته أن عبيد المنزل هم فقط من يحظون بمقابلة رب المنزل نظراً لأنهم القائمين علي خدمته ، ويساعدونه في إدارة أمور المنزل و تنظيم أدوار عبيد الحقل ؛ أما عبيد الحقل لا يستطيعون نيل شرف مقابلة رب المنزل نظراً لسوء حالتهم ، وملابسهم الرثة الرديئة .. فأنا جلالتك أو سيادتك – إن صح التعبير علي أن العهد الملكي قد ولى و اندثر – من عبيد الحقل ، ولذلك لن أستطيع نيل هذا الشرف علي أرض الواقع .. من هنا قررت أن أقابله – الريس – ولكن في الأحلام !! فهذا هو الأمل الوحيد لكي أشكو له كل ما يجول بخاطري ، و أن أحكي له مشاكلي و همومي و قد يستدعي الأمر وأبكي علي صدره ، أو أن يربت علي كتفي بيديه !!

المؤلف
كمــال الصيـــاد

كتاب يوميات مجنون رسمي " الحلم الأول"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استعنا ع الشقا بالله ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


اعتدلت علي الأريكة في وضع النائم أنظر إلي سقف الغرفة أحاول تصديق الفكرة ، فكما قالت جدتي " إذا أردت أن تحلم بأحد فيجب عليك أن تفكر به ملياً قبل النوم ، وحينها سوف يأتيك في حلمك " .. استيقظت كعادتي في الصباح الباكر فليس هناك من جديد !! دخلت مكتبي وألقيت التحية علي زميلتي إخلاص التي بدأت منذ دخولي بممارسة هوايتها المفضلة – النميمة – و أنا أتثاءب .. أحاول أن أستيقظ من شدة إرهاقي بالأمس .. استدعيت ساعي المكتب و طلبت منه فنجاني المعتاد من القهوة كي أستطيع استكمال عملي ، بينما إخلاص لم تصمت بعد ، و أنا مازلت لا أسمع منها شيئاً كالمعتاد حتى أيقظتني ضربات يدها علي مكتبي فقفزت من مكاني و كأن زلزالاً اجتاح صمتي :

- فيه إيه يا إخلاص ؟!

- أعملك كافي ميكس معايا ..؟

- لأ .. لسه شارب قهوة حالاً ..

عادت لمكتبها و هي كعادتها لا تترك صغيرة و لا كبيرة :

- قهوة .. قصدك تقول اتنين قهوة ، و تلاته شاي !!

تثاءبت عدة مرات ثم تابعت حديثي :

- أنتي متبعاني بقي يا آنسة إخلاص ..

استزادت غضباً و أكملت طعامها ثم استطردت و الطعام يكاد يسقط من فمها :

- اللي واخد عقلك يا أستاذ !!

دخل العديد من المواطنين لإنهاء أعمالهم فانهمكت إخلاص في العمل ، و أنا أيضاً وبعد أن انتهيت وجدتها مازالت مشغولة فتسللت خفية لأنها – جميلة جداً !!– لن تتركني أذهب قبل توصيلها في طريقي ، و أنا لا أملك سيارة بما يعني أننا سوف نترجل ، و اليوم لا أتحمل لهو حديثها ، وطرافة نميمتها ..

بينما أعبر الطريق عائداً من العمل وجدت رجلاً ببذلة سوداء ، ونظارة شمسية يقف في ثبات قوي ، وكأنه شجرة امتدت جذورها في باطن الأرض لا تستطيع الرياح تحريكها فجميع المارة تتلاعب بهم الرياح يميناً و يساراً ؛ فالجو عاصف .. إلا هو !! بدأ يعبر الطريق بخطواتٍ رشيقةٍ متأنيةٍ ؛ فوجدتني أندفع مسرعاً نحوه .. آخذه في أحضاني و نرتمي سويا علي الأرض ؛ كادت أن تصدمه سيارة مسرعة .. نهض عن الأرض ، شكرني بشدة ثم بدأ ينظف بذلته بطريقة جعلتني أضحك ؛ لكن الغريب أن نظارته الشمسية لم تسقط عنه !! – المهم – دعوته لزيارة منزلي المتواضع لأقوم بتنظيف ثيابه فمنزلي ليس ببعيد ، وعلي الفور قبل الدعوة .

داخل منزلي المتواضع تجول في الصالة ، بينما أنا هرولت إلي الحمام و أنا أحمل جاكت بذلته .. أمسكت بفرشاة ملابسي ، وبدأت تنظيفه ؛ ثم سمعت تمتمته بالخارج :

- هو أنت عازب ؟!

لم أتعجب من كلماته ، فالشقة غير مرتبة تخلو من لمسات الأنوثة التي طالما تستشعرها عند دخولك منزل أحد الأقارب ؛ فضحكت و بادلته الحديث :

- آه .. عازب ..

- هو فين والدك ، أو والدتك ؟

أغضبتني تلك الكلمات كثيراً ؛ فخرجت علي الفور و أنا أحمل الجاكت في يدي ، والفرشاة في اليد الأخرى و أحدثه بحدة :

- و ليه الأسئلة الكتير دي ؟

ضحك ؛ ثم تنقل بخطوات هادئة بين جدران الغرفة يتفحص شهاداتي المعلقة عليها و هو يتابع بكلماتٍ ناعمةٍ :

- مش قصدي .. بس إحنا بندردش .. بنتعرف علي بعض ..

أكملت حديثي و هو مازال يعطيني ظهره :

- أمي و أبويا مـَيتين .. و أنا عايش في الشقة دي أنا و أخويا سعيد .. هو في كلية

حقوق ..

توقف أمام صورة كبيرة معلقة في صدر الصالة ثم استدار ببطء وهو ينزع نظارته الشمسية عنه .. علي الفور سقطت الفرشاة من يدي و تابعها الجاكت فرفعتهما سريعاً من الأرض وأنا أقبل الفرشاة، وبدأت أتمتم بكلماتٍ تكاد تكون مفهومة :

- ه..هو .. أنت .. قصدي .. حضرتك .. هو مش أنت أنت باردوا ؟! و لآ أنا .. إيه ؟

تصاعدت أصوات ضحكاته التي شعرت و كأنها زلزالاً يضرب المنزل فصداها يرعبني – نظراً لقلة أساس المنزل – إن من يقف أمامي هو الرئيس – بشحمة ولحمة – قد كان يتفقد أحوال رعيته فإذا به يتجول داخل الصالة ، وارتاح علي أريكتي – هعرضها في متحف – ثم تفحص بعض الكتب الموضوعة داخل مكتبتي بجواره .. أمسك واحداً ؛ ثم بادلني نظرة لم أفهم منها شيئاً هل هو مستاء ، أم ؟ لا أعلم !! .. قرأ عنوان الكتاب بتأنٍ :

- " بـــن لادن يعلـــن الحــــرب " ..

صمت قليلاً وصمته يقتلني .. فبادلته بكلمات مسرعة و كأني أسابق الزمن لأزيل سوء الفهم الذي قد يحدث :

- و الله مش بتاعي .. أنا لقيته في الكلية .. وماكنش عليه اسم حد .. ف .. فقولت آخده

أخليه عندي لحد ما يبان له صاحب .. و الله دا اللي حصل ..

وضع الكتاب علي المنضدة ، ثم توجه نحوي .. فجأة علت أصوات طرقات باب المنزل .. ارتفعت أكثر فأكثر ؛ فنهضت من نومي فالساعة تشير إلي الثانية بعد منتصف الليل .. إنه أخي سعيد .. يا لا سوء حظي العاثر .. لقد انتهي الحلم قبل أن أشكو له عن كل ما تمنيت .. ذهبت إلي سريري راجياً أن ألقاه مرة ثانية.

إلي اللقاء في الحلم التالي ..

تأليف / كمال الصياد

كتاب يوميات مجنون رسمي " الحلم الثاني "


اليوم هو السبت من شهر مارس الموافق خمسة منه ، استيقظت و أنا في قمة الأرق و الضيق بسبب ما بـَدّر من أخي سعيد و ضياعه الحلم الذي سعيت ورائه ؛ فكل هذا قد نبأني بسوء حظي العاثر اليوم .


خرجت كعادتي من المنزل و أنا أترنح فوق قوالب الطوب لأتفادى السقوط في مياه الصرف الصحي التي وصلت حتى الرُكـَب ؛ لكن ما لفت انتباهي أن في الحلم بالأمس لم تظهر تلك الصورة المؤلمة فقد كان الشارع مرصوفاً ، و الزهور أمام كل منزل .. ضحكت بداخلي فكيف لي أن أتخيل الرئيس و هو يتحرك بنفس طريقتي فوق قوالب الطوب ؛ لكن الأغرب من ذلك أن الزيف و الخداع قد تسرب أيضاً إلي أحلامنا فبتلقائية تبدلت الأمور ، جاء رئيس حي الأحلام ، ورصف الشارع كما أضاف الزهور علي جانبي الطريق قبل زيارة سيادة الرئيس – في الأحلام – استوطن اللا مألوف الوجدان ؛ حتى الأحلام أصبح لها حراس و قوانين ، صار لها ضوابط حتى آخر رمق في أرواحنا .. حتى الأحلام !!


وصلت مكتبي و كما هو متوقع بـدأت إخـلاص في ممارسة هوايتها المفضلة – الرغي و النميمة – جلست بجواري تسرد قصة شاكر و المدير و عن الجدل الذي دام بينهما لمدة ربع الساعة حتى انتهي الموقف بتوقيع الجزاء علي شاكر – الكسول – الذي يتوانى عن تأدية واجبه في خدمة المواطنين ؛ انتهت إخلاص من وصلة النميمة مع آخر رشفة لي من فنجان القهوة الذي وضعته من يدي ، ثم أمسكت بدفاتري لإنهاء عملي الذي لا يزيد عن ساعة ونصف من جملة الثماني ساعات ، لم ينال الموقف إعجاب إخلاص فانسحبت ببطء في صمت لكي تنتهي هي الأخرى من عملها .


لا أستطيع العمل فمازال الحلم يمتلكني ، لا أستطيع التخلي عن التفكير في لقائنا التالي ولكن كيف..؟! وجدتها فطريقة جدتي باءت بالنفع ، لكن هل يجدي ذلك نفعاً في المرة المقبلة ذهبت إلي مطعمي المعتاد و اشتريت وجبة غدائي ؛ ثم توجهت إلي منزلي ؛ فنحن وقت الظهيرة .. ما أن دخلت شقتي حتى وقع بصري علي الأريكة .. جلست عليها ووضعت طعامي علي المنضدة و قلت في نفسي :

- " ياااه .. لو كان الريس معايا علي الغدا .. يا سلاااام يا واد يا كيمو .. دا يبقي حلم"

انتهيت من تناول طعامي .. أشعر بالنعاس ، حتى أنني تكاسلت عن تنظيف المائدة و حدثت نفسي :

- هو أنا لو نمت علي الكنبة اللي حلمت بالريس عليها قبل كدا .. أكيد هحلم بيه تاني

عند نفس الحتة اللي اتقطع عندها الحلم ..

هكذا تلألأت الفكرة في عيني فوضعت رأسي علي الوسادة ، واستغرقت في ثـُبَات عميق بعد لحظات سمعت طرقات متتالية علي باب الشقة إنها ليست لأخي هذه المرة فأنا لم أنهض من مكاني بعد حتى انكسر باب الشقة ووجدت ثلاث رجال يرتدون بدلات سوداء ، ونظارات شمسية تقدم أوسطهم ، و كما يبدو انه المسئول عن كل تلك الفوضى و تحدث بكلمات تخلو من العنف ، فابتسامته تقتلني فأنا أعلم ما هو الوضع الذي أوقعت نفسي فيه نهضت من مكاني ببطء ، و أكاد أسمع ضربات قلبي تتغني علي ألحان العندليب – مشيت علي الأشواك – فوضع يده علي كتفي ليجلسني و قام الرجل عن يمينه بوضع كرسي له ليجلس أمامي ثم بدأ يتحسس جبهتي التي بدأت تمطر العرق الغزير ثم رفع نظارته الشمسية و لفظ كلمات متأنية :

- ازيك يا شاعر ..

تلك الحروف التي مضت عقدت لساني عن الحديث ، و لكنني اكتفيت بالنظر إليه مشيراً له برأسي و ابتسامتي البلهاء عن رضاً تاماً اتكأ للخلف قليلاً ثم استطرد :

- كنت عايز تقابل الريس ليه يا فنان ؟!

أشرت له برأسي بالنفي ، فأنا في تلك اللحظة أشعر ببرودة تتملك جسدي بالكامل ، وحلقي جف حتى من الحروف ثم وقع بصري علي زجاجة الماء علي المنضدة فتابعها بنظراته ثم ضحك بصوتٍ عالٍ صم أذني ، و كأن المنزل ينهار .. إعصار يجتاح أحاسيسي ثم توقف ، و أفرغ بعض الماء في الكوب و أعطاني :

- خد .. أشرب ..

شربت كوب الماء ، وشربت معي ثيابي ، بينما الرجلان خلفه يمطراني بنظرات تقذف الرعب داخلي ، تمالكت نفسي ثم وضعت الكوب من يدي و ، أنا أحدثه بلطف:

- حضرتك مين ؟

- إحنا ؟! مش مهم .. بس شاكلك كدا وطني !!

تحدثت بسذاجتي المعتادة دون تردد :

- لأ .. وفدي ..

دويت ضحكاتهم الثلاثة ؛ فوجدتني أبادلهم الضحكات بطرافة علي غير العادة فصمت الجميع بعد أن أطاح زجاجة الماء بيديه و تحدث غاضباً :

- أنت هتستهبل ؟ ..

نهض و دار في الغرفة ، أزاح قليل الكتب من مكتبتي ، ثم أمسك بكتاب " بن لادن يعلن الحرب " و قرأ عنوانه بإسهاب :

- جميل الكتاب دا .. أنت بتتبني أفكار تنظيم القاعدة ؟

ضحكت و أنا علي يقين تام بأنه لا يعلم بعد بأن الرئيس قرأ العنوان مسبقاً ، ولم ينال كل هذا الكم من الغضب ، نظر لي في سخرية ، و استنكار :

- بتضحك علي إيه ؟

- لا ما فيش .. بس مش معني إن عندي كتاب يبقي أنا بتبني أفكاره ..

جلس علي المقعد وكأنه في تحقيق رسمي و بدأ في تناوب الأسئلة الواحد تلو الآخر حتي إن انتهي من أحدهم أكون قد نسيت السابق له ، ثم بدأ في آخرهم و هو يهم من مقعده ويدور حولي نصف دورة ، هامساًَ في أذني :

- هو أنت بقي بتاع الأحلام ؟!

- أنا حلمت خير اللهم اجعله خير قال إيه .. أنا لابس أبيض في أبيض ، وطاير في

السما .. بس كان فيه حاجة غريبة جداً !!

- زي إيه ؟

- كانت رجلي بتنزل دم ..

أخرج مسدساً من طيات ملابسه ثم وجهه لرأسي متحدثاً بغلظة :

- تلاقي حد افتكرك حمامة وضربك عيار ..

قبلتُ يده و أنا أكاد أبكي :

- وليه ما تقولش عين وصابتني ؟!!

في تلك اللحظة ارتفع صوت هاتفي المحمول حتي أيقظني كان أخي سعيد ، ولكنه ليس من الباب هذه المرة ؛ إنما من التليفون كانت رسالته المعتادة – please call me!! – لا تعلمون مدي حبي لتلك الرسالة فقد أنقذتني من كابوس كاد يقتلني فتمنيت لو أن هاتف أخي أمامي لكي أقبل " سوكت شاحنه "

إلي اللقاء في الحلم التالي - إن عشنا وكان لنا عمر !! –


تأليف / كمال الصياد

كتاب يوميات مجنون رسمي " الحلم الثالث "

مرت الأيام دون جدوى ؛ فأنا مازلت أتقلب علي جمر النار ، لا أستطيع النوم خوفاً من تلك الكوابيس التي باتت علي أعتاب خواطري ؛ فأنا – جبان جداً – لم أعتاد علي مثل هذه الأمور ، كيف أهرب من ذلك الكابوس المفزع الذي تطاردني هواجسه أينما ذهبت ؟! وجدتها .. مقولة جدتي " لو فيه حاجة مضيقاك ما تكتمش في نفسك.. فـَيًّصْ عن روحك و فضفض لأي حد .. عشان تزيح الهم عن صدرك .. يا ضنايا !! "


تلك الكلمات ترددت علي مسامعي فاليوم هو الجمعة – 13 منه – إنه موعد لقاء الأصدقاء المعتاد في منزل حسام ، وكما توقعت الجميع في انتظاري بما فيهم الآنسة إخلاص !! ؛ لكن هناك أمراً غريب لم أتعود عليه منذ لحظة دخولي ، وفجأة أفزعني مراد من خلف الباب فوجدتني أرتمي في أحضانه – زى زمان – و كأننا عدنا بالذاكرة إلي أيام الجامعة حين فزت في مباراة الملاكمة و حصلت علي المركز الأول ؛ فكان أول من قفز علي الحلبة مراد و أول من ارتميت في أحضانه وحملني علي كتفيه كان أيضاً مراد ..كل تلك الذكريات مرت في لحظات وكأني طفلاً يتشبث بتلابيب أمه من فرط الشوق و اللهفة ، ثم أمطرني بوابل من عبارات الحنين ، وذكريات الماضي ، و كأن الحجرة قد خلت من الجميع ؛ كانت لتدوم تلك اللحظات الجميلة ساعات و ساعات لكن صديقنا العزيز حسام أبي أن يحدث ذلك مقاطعاً :

- إيه ؟ هوا ما فيش غير كمال بس هنا ؟!! علي فكرة أنا كنت معاكم في نفس القسم

باردوا ..

انطلقت ضحكات الجميع تغرد في سماء الماضي وحنين الحاضر ؛ لكن جلال مازال يحقد علي تلك اللحظة غير عابئ بكل تلك السنوات التي غابها مراد عنا فهو لم يتعرف عليه قبل اليوم :

- و أنت مالك اليومين دول يا كيمو .. حالك مش عاجبني !!

اندفعت كلماتي كرصاص مدفع تخترق آذان الجميع :

- و أنت من إمتي بيعجبك حال أي حد يا .. جلجل ؟!!

صمت الجميع حتى غير حسام الموقف بضحكاته التي جذبت انتباه الجميع كما هو المعتاد .

بدأت في سرد قصتي مع الأحلام وصولاً بالكابوس الماضي وما أن انتهيت من تلك المشاهد حتى كان الجميع يبكي من فرط البهجة ، والسخرية ؛ بينما مراد يستمع في صمت ، و بابتسامه هادئة تحدث :

- لسه يا كمال زي ما أنت من أيام الجامعة .. رومانسي .. عاطفي زيادة عن اللزوم

.. نفسي تعيش الواقع شوية .. نفسي تبطل تحلم ..

- أمووووووت .. علي رأي محمد منير ...

- فاكر قصيدة الجامعة اللي كنت مشارك بيها .. كان اسمهااااااا..

قاطعه حسام في سرعة :

- أميرة حبي ..

ضحكاتنا الهستيرية نحن الثلاثة جذبت انتباه الكل حتى فضول الآنسة إخلاص ، واحمرار وجهها لم يمنعها من التساؤل :

- وهي مين أميرة حبي دي كماااااااان !!

لم يمنح مراد المجال لحسام حتى يتحدث و استطرد وهو يقطع وصلة الضحك :

- زمان و احنا في الجامعة .. كان كيمو بيعمل معرض في الشعر و الأدب ، كانت أغلب القصايد و القصص اللي في المعرض كانت باسمه .. و فيوم لقينا حسام جاي بيجري و بيقولنا .. إلحقو .. الصباغ بيظبط البنات في المعرض علي إنه كمال ..

تذكرت ذلك الموقف و كأنه كان بالأمس ؛ ففي يومها استأذنت من المعيد رضا قمر – رحمه الله في نفس العام – وذهبنا نحن الثلاثة إلي المعرض و بالفعل الصباغ يقف بين الفتيات يمدح في شعري علي أنها من أجمل ما كتب هو ؛ لقد انتحل شخصيتي – علي حياة عيني – فتسللنا من خلفه ، ووقفنا أمام أحد القصائد فكانت " أميرة حبي " ، وبدأنا في ذم القصيدة – ولعن سلسفيل جدود اللي كتبها – و كما كان متوقع انسحبت أحد الفتيات ووبختنا علي ما بدر منا خاصةً و أن مؤلف القصيدة يقف بجوارهن .. تبادلنا الضحكات وهنا قطع حسام حبل أفكاري و أكمل :

- و فجأة وش الصباغ بقي أحمر .. وكمال بيسألها هو فين الشاعر اللي كتبها ..
شاورت علي الصباغ علي إنه الشاعر العظيم كمال ..

قاطعه مراد وهو يتحدث عن موقفه مع نفس الفتاه :

- علي طول قولتلها لما دا كمال .. يبقي اللي جامبي دا مين ؟.. البنت بصت لكمال وباعدين بصت للصباغ اللي توه و بص في السقف و قالتله " هو مش انت كمال ".. رد عليها الصباغ و هو بيشاور علي كيمو .. لأ .. هو دا كمال .. وخاد ديله في سنانه و قال يا فكيك ..

أتذكر أن الفتيات لم يقتنعن حتى رأين الكارنية الخاص بي ، وتفحصن الصورة بعناية ، ومنذ ذلك الحين و نحن لا ننسي صديق العمر الصباغ – أعاده الله بخير من أرض الحجاز - ، و هنا انفرجت أسارير الآنسة إخلاص .. انخرط الجميع في الحديث عن الجامعة و نسينا سؤال مراد عن غربته ؛ فقررت في اللقاء القادم أن أسأله ؛ لكنني الآن في منزلي و أشعر بكثير من الإرهاق و التعب .. ارتميت علي الأريكة حتى دون أن أبدل ثيابي ؛ وفجأة عدت إلي حلم الرئيس معي و هو يحمل كتاب " بن لادن يعلن الحرب " و يقترب نحوي ، فوجدتني أرجع عدة خطوات للخلف لا أعلم لماذا ؟! و لكن هذا ما حدث محاولاً تبرير موقفي :

- و الله الكتاب دا مش بتاعي ..

ضحك ثم هدأ من روعي و استطرد حديثه الممتع :

- الكتاب موجود في السوق .. و دي كمان الطبعة التانية .. تفتكر هو لو مش كويس

كنا هنسمح بنشره ..

عاد يتفحص الجدران مرة أخري ، ثم ابتسم وهو يشاهد صور الرؤساء الثلاثة في صدر أحد الجدران ، و في الجدار المقابل الكثير من الشهادات المعلقة هنا و هناك تفحصهم وهو يردد بعض الكلمات :

- بكالوريوس العلوم في الكيمياء .. دبلوم الدراسات العليا في الكيمياء .. بطل الجمهورية في الملاكمة .. دورات كمبيوتر من الأكاديمية البريطانية .. علي شوية ميداليات تحابيش .. إيه الحلاوة دي ..

طلبت منه أن يعطيني منديل الأمان حتى أتحدث ، بالفعل ترك لي مساحة من الحرية لكي أتحدث – الفرصة جاتلي يا رجاااااله - ؛ لن أضيع أي لحظة هباء سوف أحكي :

- كل الشهادات دي و يا ريت عاجب ..

جلس علي الأريكة ثم رمقني متعجباً :

- أنت شغال إيه ؟!

- في الأرشيف .. موظف .. بالعقد ..

- طب عايز إيه تاني .. شغل و شغلناك ..

- أنت .. آسف حضرتك أنا ليا واحد صاحبي نفس القسم جواب القوى العاملة جابله تعيين في المساحة .. و عندي صديق تاني خريج آداب انجليزي جواب التعيين جاله محصل تبع الزبالة .. لآمؤاخذة النظافة ..

- إزاي ؟ كيميائي يشتغل في المساحة ؟! و آداب انجليزي يبقي في الزبالة ؟!!

- هو الأولاني دا ممكن عشان قصير قالوا هيقيس كويس .. أما التاني فعشان شبه الأجانب و معاه كمان لغة .. شغلوه كدا .. أما أنا فكنت شغال من أيام الجامعة في التطريز بتاع الملابس و المفروشات .. لحد ما جالي جواب التعيين مع البوسطجي .. كنت طاير من الفرحة قولت بس .. تقدير جيد جداً مش هيجيله أقل من بترول .. و ما كدبتش خبر و ظرفت البوسطجي حته بخمسين جنية حلاوة النجاح .. خادها و طاااار ، أنا فتحت الجواب و أمي زغرتت .. و الحمد لله ..

- و بعدين ؟

- مالقيتش البوسطجي عشان آخد منه الخمسين جنية .. و آديني شغال موظف أرشيف ..

اعتدل في جلسته و هو يتساءل :

- و ولدتك عملت إيه ؟

- قولت لحضرتك الحمد لله ..

- و نعم بالله .. عملت إيه ؟

- البقاء لله ..

- لوحدها كدا ؟!!

- لأ .. و أبويا معاها .. اتحسرت ..

- و أنت باين عليك مثقف .. و الشهادات ..

قاطعته بدون قصد وأنا – مغلول – أقف بجوار الشهادات :

- أهي الشهادات دي من حبي فيها كتبتلها أجمل قصيدة في حياتي .. أخدت بيها مركز أول .. اسمها " شهاداتك يا مصر " ..

- سمعني بتقول إيه ؟

- مابلااااااش ..

- لأ قول بس ..

- حضرتك اللي مصمم ..

و هنا حضرني موقف الفنان / محمد هنيدي عندما تحدث في فيلمه " فول الصين العظيم " مع أحد الأخوة العرب و كان يريد أن يتذوق طعامه وكان يحاول هنيدي أو محي منعه لكنه أصر ؛ و بالفعل ألقيت عليه القصيدة ..

شهاداتك يــــا مصر


شهاداتك يا مصر ..

متعلقة علي كآم جدار ..

باشوفها ..

بيجيلي انهيار ..

باعيش معاهم

الانتصار ،

و الانكسار ..

سهر الليالي ،

و تعب النهار ..

و أنا مــُصِر

إني أنتصِر ..

آخد شهادة ،

و أنكسِر ..

يا يجيلي كبت

و أقول تعبت

ما أنا لو هعيش

أد ما عشت

هافضل حمار ..

أو حتي جحش

واخد شهادة ،

و ما فلحش

ما أنا أصلي

مش ابن وزير ..

أول ما أخلَّص

أكون مدير ..

و القبض يبقي بالدولار ..

شهاداتك يا مصر ..

بكتيره تبقي ع الجدار ..


فنهض من علي الأريكة اصطدمت قدميه بالمنضدة فسقطت القلة علي الأرض و انكسرت فنهضت مفزوعاً من نومي ؛ فكانت القلة كسرت بالفعل لكن ليس من الرئيس ؛ و إنما من يدي التي أطاحت بها ..

لم يكن سعيد هذه المرة ، ولكنها القلة التي أيقظتني من أجمل أحلامي و أمتعها ، عاودت النوم مرة أخري عسي يكتمل الحلم ..

أراكم في الحلم القادم علي خير – أن عشنا وكان لينا عمر – !!


تأليف / كمال الصياد

كتاب يوميات مجنون رسمي " عزومة الآنسة إخلاص "

**********************************************

عـــــــزومــــة الآنســـــــة إخــــــــــلاص !!

**********************************************

اليوم هو السبت – 14 منه – استيقظت كالعادة – خدت دُش ساقع – ذهبت إلي العمل مستقلاً الباص – المايل علي جنبه – أقف علي الباب ممسكاً بأحد الركاب من كتفه – يعني لو وقع قول علينا يا رحمن يا رحيم – فهو صمد كالعادة ، وعندما دخلت المكتب لاحظت ما يثير دهشتي ؛ فالآنسة إخلاص – نضفت بقت آخر 18 حاجة – لا ترتدي نظارتها عامله شعرها – مظمبليط – عند المكوجي !!

ما زاد الطين بله مش الماشيت ، لكن تلك الأظافر البديعة المنقوش عليها حروف أجدادنا الفراعنة في الأساطير و الحكايات .. اعتقدت أنني دخلت أحد المكاتب بالخطأ فكرت أعود أدراجي حتى سمعت صوت – عِــرسه – رفيع جداً أكاد أستشف منه بصعوبة صوت إخلاص ؛ عدت برأسي مرة أخري ، ونظرت إليها فوجدتها تشير بثلاث أصابع في خجل ، لا أعلم باقي أصابعها ابتسمت ابتسامة بلهاء ثم دخلت – أعوذ بالله من الخبث و الخبائث – و جلست علي مكتبي في صمت حتى اخترق هذا الصمت همهمات ، وتنهدات الآنسة إخلاص :


- أزيك يا أستاااااااذ ... كمااااااااال .


عملت نفسي – أهبل - مش واخد بالي ، حتى اقترب هذا الشيء – صوتها – شيئاً فشيئاً من أذني استدرت في فزع لأجد شفاه الآنسة إخلاص علي أعتاب طبلة أذني ، وهي تكرر نفس الكلمات السابقة ، عدت بالكرسي للخلف ، وأنا متوتر :


- أهلاً .. أهلاً يا آنسة إخلاص ..


عادت لمكتبها و تحدثت – بسهتنة – و نعومة :


- الحمد لله .. طول ما أنت بخيييير ...


- إنما إيه النيولوك الجامد دا ؟!!


- عجبك ؟!


- إلا عجبني !! دا مالوش حل ..


أكملت باقي مقولتي في سري – رياء يعني – " الله يخرب بيت أفلام الرعب اللي أنتي عايشة فيها " ثم استطردت بصوتٍ عالٍ :


- إنما أنتي شوفتي الحالقا.. قصدي القصااااا دي فين قبل كدا ؟!!


أخذت تعبث في – المظمبليط – شعرها ، وتحرك رموشها - بتسبللي - :


- كانت في فيلم سواق الهانم ..


- و دي حالقت السوااااق ..


- هاهاها .. لأ .. الهانم طبعاً ..


و قبل أن تنتهي كلماتها نهضت ، و أمسكت بيدي ؛ فجذبتها بقوة – شرف الراجل زي الولاعة - :


- فيه .. فيه إيه يا آنسة إخلاص ؟!! ما يصحش ..


- هو أنا عملت حاجة لسه !! أنا هوشوشك .. أنت معزوم النهاردة ع الغدا .. عندنا !!


- خلاااص ... حاضر ... بس أقعدي علي مكتبك ..

- فاكر من أسبوع لما أنا كنت بقمع البامية هنا ، و أنت يا حراااااااام .. قولتيلي أنك ماكلتهاش من أيام المرحومة .. مامتك ...


- ألف رحمة و نور تنزل عليها ..


- من يومها ، و أنا عمالااا أفكر .. أفكر .. لحد ما قررت أعملهالك ..


- بس إوعي تنسي البتنجان المحشي طماطم .. و الطماطم حتت صغيرة ..


- كاتبه كل اللي أنت قولته يومها هنا ..


أشارت علي قلبها ، تحدثت في سري " يا نهار اسود .. أنا با أدبس ولا إيه ؟! "


- و العزومة إمتي يا آنسة إخلاص ؟


- حالاً ..


- إيه ؟!


- أقصد النهاردة .. اتفقنا ؟


- و مين تاني معزوووم ..؟


- ما فيش .. أنت و بابا ..... و ماما ... و أنا ... وبس ...


- اتفقنا .. الساعة أربعة هكون عندكم ..


كلام علي جنب – بيني و بينكم – أنا خفت و قلقت ، بس مش مهم دي بامية – و محسوبكم بيضعف قوي قدام البامية - .

في تمام الرابعة إلا دقيقة أقف أمام شقة الآنسة إخلاص ، لم أطرق الباب بعد حتى فتحت الباب و جذبتني للداخل ، و أغلقت الباب خلفي :


- حمد الله ع السلامة ..


- ثواني بس ... قفلتي الباب ليه ؟!


ذهبت و فتحت الباب ثم دخل مراد ومن خلفه أخي سعيد .. رمقتهم الآنسة إخلاص بحقد ثم نظرت لي – بـِـغـِـل و هرشت في رأسها – فعاجلها مراد بكلماته المنقذة :


- شكراً يا آنسة إخلاص .. كيمو كان عازمني النهاردة ع الغدا .. و فاجئني إنك مصممه علي عزومتي ، و أغراني بالبامية ..


ارتسم علي ملامح إخلاص علامات تدل عن عدم الرضا ، ثم تابعت بكلمات هادئة :

- إنتوا منوريين النهاردة .. اتفضلوا .. اتفضل يا أستاذ سعيد ..


لم تنبس إخلاص ببنت شفة – سُكتم بُكتم – و اكتفت بتوجيه نظرات اللوم و العتاب فقد ذهبت مع الريح كل ما كانت تحلم به من الأجواء الشاعرية .. الرومانسية .. المهلبية .. وقليل من البامية و الملوخية .. لكن ما لفت الانتباه هو كثرة سلامات الوالدين ، التي زادت عن حدها فكلما وقع بصر أحدهم علي أياً منا " منورين .. أهلاً وسهلاً " وكأننا في عزاء انتهت عنده كل أحرف الهجاء .. مرت العزومة علي خير حتى الرمق الأخير و نحن علي أعتاب باب الشقة فقد كنت الأخير ، وما أن اقتربت مني الآنسة إخلاص حتى وكزتني في يدي – بــِغــِلْ – ثم دفعتني للخارج دون إلقاء التحية – و رزعت الباب في وشي – حتى ظننت أنها القطيعة التي أنقذت حياتي من بين براثن إخلاص !!


انتقلنا نحن الثلاثة إلي – الشوفي كوب – اللي علي ناصية شارعنا ، وطلبنا – تلاتة همبورجر .. اتنين كفتة .. اتنين بيض بالبسطرمة .. خمسة شاورمة – أصلي نسيت أقولكم إن العزومة كانت علي شاي جر رجل يعني !!


طبعاً محسوبكم اتدبس في العزومة وكع من جيبه المخروم – 37 جنية ونص – و كعادة سعيد ومراد لم أخلو من التريقة التي ألقاها كلاهما ، وكم النكات البديعة وليدة اللحظة .. طبعاً إحراجي خلاني طلعت نمت مغموم علي أنغام موسيقي " والله يا زمن " من فيلم " نحن لا نزرع الشوك " التي كان يتابعها الفنان سعيد أخويا – أصله بيحب السيما أكتر من أبوه و أمه ، ونفسه يكون ممثل كبير – ربنا يوفقه .

تأليف / كمال الصياد

كتاب يوميات مجنون رسمي " الحلم الرابع "


طبعاً كلكم بتدعولي إن الحلم يرجع تاني بس و الله دعواتكم جات بفايدة ، وبالفعل وجدتني أمسح الماء المسكوب علي الأرض جراء انكسار القلة وسط تقديم الاعتذار رفيع المقام عن عدم القصد فصارحته علي أنني من يجب عليه الاعتذار لأنني من دفعها بيده أثناء نومه – هاهاها – المهم !!


اعتقدت أن قصيدتي أشعلت شيئاً ما ، لكنني لا أراه .. أشتم رائحة غير مستصاغة في خطوات معاليه الهادئة ، وحديثه الغيور علي البلد ، وبلهجة حزينة :


- هو كل من هب ودب هيتكلم ع البلد .. خلاص .. كل مسئول بيغلط تتعلق أخطائه علي مصر .. ثم تعالي هنا .. هو المفروض إن البلد تعمل كل حاجة !! تأكل وتشرّب و تلَّبِس و تحَّميِ .. وكمان تغير كوافيل الفساد و القذارة اللي فكل حتة ؟!!


تراجعت عدة خطوات للخلف ، و أنا مازلت علي الأرض – علي ركبي – متحدثاً بلهجة خوف ، مرتعداً وتكاد تزرف عيني الدموع .. ثم انطلقت كلماتي ببلاهة :


- هي مش أمنا؟!!

- هي اللي أمه تأسي عليه شويه .. يقول عليها كدا ؟


- حضرتك سمحت ليا بالكلام .. ممكن أفضفض ؟!


- إتفضل ..


إرتديت ثوب الفارس البطولي ، و كأني صلاح الدين الأليوبي متحدثاً أمام فلول شعب مصر .. متحمساً ، ومتأثراً بكل ما تنطقه شفاهي :


- كلام حضرتك كله صح .. بس المفروض مننا نعمل إيه ؟ بناخد شهادة ، وبنتمرمط في المواصلات ، وبيجيلنا الضغط من الامتحانات ، وفي الآخر .. ولا ليها أي قيمة !! بتقولولنا مش كفاية .. المفروض تثقف نفسك .. تأهل نفسك للوظيفة اللي أنت عايزها .. وبناخد شهادات تاني وباردوا مافيش فايدة .. الرشوة و الفساد مغطية علي كل حاجة .. المحسوبية في كل حتة ..


استثارة تلك الكلمات مشاعره وتحدث بلهجة الأب الحنون :


- أنت بتعمل كدا .. فيه غيرك بالألوف ما بتعملش ..

- تفتكر حضرتك في أم في الدنيا تاخد بإيد ابنها و تعَّديه الطريق السريع في نص الليل ، وتسيبه في نص الطريق وسط العربيات النقل و التريلات .... وتمشي ؟!!


ما إن انتهيت من تلك الكلمات حتي انهالت دموعي تنساب علي خدي ؛ فوجدتني أرتمي في أحضانه و أبكي بين ذراعيه .. أجهش في البكاء .. أنتحب بصوتٍ مرتفع .. ربت علي كتفي ، وأعطاني مفرش المنضدة حتي أجفف دموعي ، واستطرد :


- كل الشباب اللي زيك .. المتحمسين .. عايزين كل حاجة تجيلهم علي طبق من دهب .. مش عايزين يتعبوا ..


قاطعته و دموعي تنهال بحرقة :


- هتهالي علي طبق من خشب .. و انا هرضي .. إرميهالي ع الأرض .. و انا هاوطي و أخدها .. لكن ما تعلقهاش في سابع سما .. و المطلوب مني أطير من غير جناحات و أجيبها .. أو بطيارة .. و انا ما حلتيش اللاضي ...


مسحت دموعي عني ثم اقتربت منه بهدوء متحدثاً بتأنيب ضمير :


- عارف حضرتك اللي حصل في أم درمان .. أنا ما نمتش يوميها بعد اللي حصل في البرامج .. بعد ما شوفت علم بلدي بيتحرق علي شاشات التليفزيون زي علم اسرائيل .. مش هتصدق إن عيني ماوقفتش من العياط .. حسيت إني كنت قاسي قوي علي بلدي لما كتبت قصيدة " شهاداتك يا مصر " و قررت في ساعتها إني أعلن اعتذاري لبلدي .. لأمي .. علي كل اللي قولته غلط في حقها .. قصيدة " ما تزعليش "


إرتكز إلي أحد المقاعد بكلتا يديه ثم نظر لي بفخر ، و بادلني نفس إحساسي :


- سمعهالي ...


وجدتني أنطلق بكلمات قصيدتي موجهاً نظري للأرض و دموعي الحارة تتساقط بين قدمي :


ما تزعليش


ما تزعليش يا طيبة ..

يا حنينة ..

لو قولت عنك

أي كدب ..

ما تزعليش لو قولتها

في وقت كرب ..

أنا لسه حـــَّبك ..

لسه أبنك ..

و بالأمارة

تلميذ في طب !!

كان وقت خنقه وضيق ..

زهقت من كتر الزعيق ..

صوتي أتنبح وكأني (...)

بحبك يا أم الحضارة ..

أصلي أتربيت في حارة ..

م أقدرش أنكر جميلك ..

حبك في قلبي غارة ..

ما تزعليش لو يوم

هربت ..

لو أكتئبت ..

كان غصب عني

لأني شـــِبْت ..

بس في جيناتي

أنا لسه شاب ..

حامل رايات الألف

صعب ..

لأني صلب ..

ما تزعليش يا طيبة

يا حنينة

لو قولت عنك

أي كدب ..


و ما إن انتهت كلماتي حتي سمعت تسفيق حار ويديه تمسح عني دموعي ، وترفع رأسي .. ، متحدثاً :


- هو دا ابن مصر .. في وقت الشدة بيبان معدنه الأصيل .. يا سلاااام لو كل شباب مصر زيك ..


لا يتخيل أحد أن تلك الكلمات التي جعلتني أحلق في الفضاء .. بدون طائرة .. و ترددت علي مسامعي كلمات الفنان القدير / يوسف شعبان في جزء من مسلسل " رأفت الهجان " في كلماته " بص يا ليفي .. مصر أمانة بين إيديك يا ليفي " إنها كلمات التشجيع التي كان لها مفعول السحر ، وفجأة صفعني علي وجهي بالقلم ، وأيقظني من أجمل أحلامي .. نعم !! إنه سعيد أخي .. لقد تركت أصابعه الخمس أثراً علي خدي فقد كان يحلم هو الآخر بجواري ، ويبدو أنه إندمج في الحلم ، وهو يمثل أحد أدواره للفنان الجميل / محمد سعد .. مشهد من فيلم " عوكل " " إنت مش ابني .. مش ضنايا .. " شكر آخر لسعيد ، ومسيري أرضهاله !!


أراكم في الحلم القادم علي خير – أن عشنا وكان لينا عمر – !!



تأليف / كمال الصياد

الاثنين، أغسطس 09، 2010

الأهلي يا ابني


دا الأهلي يا ابني مش أي حد

الكورة لعبة واخدها جد

اتأني يا ابني .. احسب وعِد

كم كاس ودوري .. الأهلي خد

******

دا الأهلي يا ابني وهس هس

دا المية مية .. مش نص نص

دا الكنج هو .. والبج بص

سكت يعني مش لاقي رد ؟!!

******

دا الأهلي يا ابني مش أي نادي

رافع دايماً راية بلادي

في أي حت .. في أي وادي

خميس وجمعة .. سبت و حد

******

دا الأهلي يا ابني أصل الرجولة

كرامته عنده قبل البطولة

درجته يا ابني .. الدرجة الأولي

و ان قولت قيمة .. هرم و سد

******

دا الأهلي يا ابني .. فريد زمانه

و لا حد يقدر ياخد مكانه

و لمين هنهتف لو مش عشانه

دي مصر قبله .. و الأهلي بعد

******

دا الأهلي يا ابني و الكل عارف

ع الفوز بيلعب .. و أظن شايف

شعاره روح لو كنت خايف

و ان قولت لأه .. شمر وصــُد

******

دا الأهلي يا ابني أعطم إدارة

جهاز تملي رهن الإشارة

لعيبة تدي من غير إمارة

جمهور حقيقي .. جمهور بجد

******

أشعار
محمد عيسي

السبت، يوليو 17، 2010

قصة قصيرة " ضمير الرشوة "


ضمير الرشوة

كان قراري في تلك اللحظة مصيري ؛ فأنا علي مشارف العقد الخامس من عمري تقلدت كثير المناصب .. عازب ، متزوج ،أب و آخرها ما أصبحت عليه أملك ختماً و إمضاء لم أعبث بهم يوماً ، ولذلك أقطن في حارة !! أسكن مبنىً هش في الدور الأول – علوي - قد يهوي في تلك اللحظة فتداعت أوجاع الماضي ، وتصدعت جدران المستقبل بعد أن تأرجحت موازين الحاضر ، في تلك اللحظة إحساسي بالخوف يصرعني ؛ فكثيراً ما أشعر بأظافر فضية تُغرس في لحمي ، تنتزع روحي الطاهر من جسدي ؛ لكن شيطاني مازال يروضني .. يُمنيني .. يرسم أحلام المستقبل ، يضع في طريقي الحل لكي تتعثر به قدمي ؛ بالفعل هزم الشيطان إرادتي ، تغلب علي القيم و المبادئ التي ترسخت في وجداني .. نحر براءتي .. باسم الإنسانية اغتصب أحلامي بعد أن مزق ثياب عفتي ؛ كيف لرجل عجوز مثلي أن يحيا ؟! كيف أواجه أبنائي علي مائدة عليها كل أصناف الحرام ؟!! فطبق الشوربة يبدو بلون الدم ، وآخر يحمل قطع اللحم العفن ؛ لن أتعايش في كل هذه العذابات سوف أقطع شريان حياة شيطاني ، وأوصال مبادئ الرشوة ، وبذلك تنتهي كلماتي ، وأقدم اعتذاراتي لكل من أسأت إليهم عنوة ، وأصبح أول من يقتله ضمير الرشوة .



الأديب / كمال الصياد