طبعاً كلكم بتدعولي إن الحلم يرجع تاني بس و الله دعواتكم جات بفايدة ، وبالفعل وجدتني أمسح الماء المسكوب علي الأرض جراء انكسار القلة وسط تقديم الاعتذار رفيع المقام عن عدم القصد فصارحته علي أنني من يجب عليه الاعتذار لأنني من دفعها بيده أثناء نومه – هاهاها – المهم !!
اعتقدت أن قصيدتي أشعلت شيئاً ما ، لكنني لا أراه .. أشتم رائحة غير مستصاغة في خطوات معاليه الهادئة ، وحديثه الغيور علي البلد ، وبلهجة حزينة :
- هو كل من هب ودب هيتكلم ع البلد .. خلاص .. كل مسئول بيغلط تتعلق أخطائه علي مصر .. ثم تعالي هنا .. هو المفروض إن البلد تعمل كل حاجة !! تأكل وتشرّب و تلَّبِس و تحَّميِ .. وكمان تغير كوافيل الفساد و القذارة اللي فكل حتة ؟!!
تراجعت عدة خطوات للخلف ، و أنا مازلت علي الأرض – علي ركبي – متحدثاً بلهجة خوف ، مرتعداً وتكاد تزرف عيني الدموع .. ثم انطلقت كلماتي ببلاهة :
- هي مش أمنا؟!!
- هي اللي أمه تأسي عليه شويه .. يقول عليها كدا ؟
- حضرتك سمحت ليا بالكلام .. ممكن أفضفض ؟!
- إتفضل ..
إرتديت ثوب الفارس البطولي ، و كأني صلاح الدين الأليوبي متحدثاً أمام فلول شعب مصر .. متحمساً ، ومتأثراً بكل ما تنطقه شفاهي :
- كلام حضرتك كله صح .. بس المفروض مننا نعمل إيه ؟ بناخد شهادة ، وبنتمرمط في المواصلات ، وبيجيلنا الضغط من الامتحانات ، وفي الآخر .. ولا ليها أي قيمة !! بتقولولنا مش كفاية .. المفروض تثقف نفسك .. تأهل نفسك للوظيفة اللي أنت عايزها .. وبناخد شهادات تاني وباردوا مافيش فايدة .. الرشوة و الفساد مغطية علي كل حاجة .. المحسوبية في كل حتة ..
استثارة تلك الكلمات مشاعره وتحدث بلهجة الأب الحنون :
- أنت بتعمل كدا .. فيه غيرك بالألوف ما بتعملش ..
- تفتكر حضرتك في أم في الدنيا تاخد بإيد ابنها و تعَّديه الطريق السريع في نص الليل ، وتسيبه في نص الطريق وسط العربيات النقل و التريلات .... وتمشي ؟!!
ما إن انتهيت من تلك الكلمات حتي انهالت دموعي تنساب علي خدي ؛ فوجدتني أرتمي في أحضانه و أبكي بين ذراعيه .. أجهش في البكاء .. أنتحب بصوتٍ مرتفع .. ربت علي كتفي ، وأعطاني مفرش المنضدة حتي أجفف دموعي ، واستطرد :
- كل الشباب اللي زيك .. المتحمسين .. عايزين كل حاجة تجيلهم علي طبق من دهب .. مش عايزين يتعبوا ..
قاطعته و دموعي تنهال بحرقة :
- هتهالي علي طبق من خشب .. و انا هرضي .. إرميهالي ع الأرض .. و انا هاوطي و أخدها .. لكن ما تعلقهاش في سابع سما .. و المطلوب مني أطير من غير جناحات و أجيبها .. أو بطيارة .. و انا ما حلتيش اللاضي ...
مسحت دموعي عني ثم اقتربت منه بهدوء متحدثاً بتأنيب ضمير :
- عارف حضرتك اللي حصل في أم درمان .. أنا ما نمتش يوميها بعد اللي حصل في البرامج .. بعد ما شوفت علم بلدي بيتحرق علي شاشات التليفزيون زي علم اسرائيل .. مش هتصدق إن عيني ماوقفتش من العياط .. حسيت إني كنت قاسي قوي علي بلدي لما كتبت قصيدة " شهاداتك يا مصر " و قررت في ساعتها إني أعلن اعتذاري لبلدي .. لأمي .. علي كل اللي قولته غلط في حقها .. قصيدة " ما تزعليش "
إرتكز إلي أحد المقاعد بكلتا يديه ثم نظر لي بفخر ، و بادلني نفس إحساسي :
- سمعهالي ...
وجدتني أنطلق بكلمات قصيدتي موجهاً نظري للأرض و دموعي الحارة تتساقط بين قدمي :
ما تزعليش
ما تزعليش يا طيبة ..
يا حنينة ..
لو قولت عنك
أي كدب ..
ما تزعليش لو قولتها
في وقت كرب ..
أنا لسه حـــَّبك ..
لسه أبنك ..
و بالأمارة
تلميذ في طب !!
كان وقت خنقه وضيق ..
زهقت من كتر الزعيق ..
صوتي أتنبح وكأني (...)
بحبك يا أم الحضارة ..
أصلي أتربيت في حارة ..
م أقدرش أنكر جميلك ..
حبك في قلبي غارة ..
ما تزعليش لو يوم
هربت ..
لو أكتئبت ..
كان غصب عني
لأني شـــِبْت ..
بس في جيناتي
أنا لسه شاب ..
حامل رايات الألف
صعب ..
لأني صلب ..
ما تزعليش يا طيبة
يا حنينة
لو قولت عنك
أي كدب ..
و ما إن انتهت كلماتي حتي سمعت تسفيق حار ويديه تمسح عني دموعي ، وترفع رأسي .. ، متحدثاً :
- هو دا ابن مصر .. في وقت الشدة بيبان معدنه الأصيل .. يا سلاااام لو كل شباب مصر زيك ..
لا يتخيل أحد أن تلك الكلمات التي جعلتني أحلق في الفضاء .. بدون طائرة .. و ترددت علي مسامعي كلمات الفنان القدير / يوسف شعبان في جزء من مسلسل " رأفت الهجان " في كلماته " بص يا ليفي .. مصر أمانة بين إيديك يا ليفي " إنها كلمات التشجيع التي كان لها مفعول السحر ، وفجأة صفعني علي وجهي بالقلم ، وأيقظني من أجمل أحلامي .. نعم !! إنه سعيد أخي .. لقد تركت أصابعه الخمس أثراً علي خدي فقد كان يحلم هو الآخر بجواري ، ويبدو أنه إندمج في الحلم ، وهو يمثل أحد أدواره للفنان الجميل / محمد سعد .. مشهد من فيلم " عوكل " " إنت مش ابني .. مش ضنايا .. " شكر آخر لسعيد ، ومسيري أرضهاله !!
أراكم في الحلم القادم علي خير – أن عشنا وكان لينا عمر – !!
تأليف / كمال الصياد