اعتدلت علي الأريكة في وضع النائم أنظر إلي سقف الغرفة أحاول تصديق الفكرة ، فكما قالت جدتي " إذا أردت أن تحلم بأحد فيجب عليك أن تفكر به ملياً قبل النوم ، وحينها سوف يأتيك في حلمك " .. استيقظت كعادتي في الصباح الباكر فليس هناك من جديد !! دخلت مكتبي وألقيت التحية علي زميلتي إخلاص التي بدأت منذ دخولي بممارسة هوايتها المفضلة – النميمة – و أنا أتثاءب .. أحاول أن أستيقظ من شدة إرهاقي بالأمس .. استدعيت ساعي المكتب و طلبت منه فنجاني المعتاد من القهوة كي أستطيع استكمال عملي ، بينما إخلاص لم تصمت بعد ، و أنا مازلت لا أسمع منها شيئاً كالمعتاد حتى أيقظتني ضربات يدها علي مكتبي فقفزت من مكاني و كأن زلزالاً اجتاح صمتي :
- فيه إيه يا إخلاص ؟!
- أعملك كافي ميكس معايا ..؟
- لأ .. لسه شارب قهوة حالاً ..
عادت لمكتبها و هي كعادتها لا تترك صغيرة و لا كبيرة :
- قهوة .. قصدك تقول اتنين قهوة ، و تلاته شاي !!
تثاءبت عدة مرات ثم تابعت حديثي :
- أنتي متبعاني بقي يا آنسة إخلاص ..
استزادت غضباً و أكملت طعامها ثم استطردت و الطعام يكاد يسقط من فمها :
- اللي واخد عقلك يا أستاذ !!
دخل العديد من المواطنين لإنهاء أعمالهم فانهمكت إخلاص في العمل ، و أنا أيضاً وبعد أن انتهيت وجدتها مازالت مشغولة فتسللت خفية لأنها – جميلة جداً !!– لن تتركني أذهب قبل توصيلها في طريقي ، و أنا لا أملك سيارة بما يعني أننا سوف نترجل ، و اليوم لا أتحمل لهو حديثها ، وطرافة نميمتها ..
بينما أعبر الطريق عائداً من العمل وجدت رجلاً ببذلة سوداء ، ونظارة شمسية يقف في ثبات قوي ، وكأنه شجرة امتدت جذورها في باطن الأرض لا تستطيع الرياح تحريكها فجميع المارة تتلاعب بهم الرياح يميناً و يساراً ؛ فالجو عاصف .. إلا هو !! بدأ يعبر الطريق بخطواتٍ رشيقةٍ متأنيةٍ ؛ فوجدتني أندفع مسرعاً نحوه .. آخذه في أحضاني و نرتمي سويا علي الأرض ؛ كادت أن تصدمه سيارة مسرعة .. نهض عن الأرض ، شكرني بشدة ثم بدأ ينظف بذلته بطريقة جعلتني أضحك ؛ لكن الغريب أن نظارته الشمسية لم تسقط عنه !! – المهم – دعوته لزيارة منزلي المتواضع لأقوم بتنظيف ثيابه فمنزلي ليس ببعيد ، وعلي الفور قبل الدعوة .
داخل منزلي المتواضع تجول في الصالة ، بينما أنا هرولت إلي الحمام و أنا أحمل جاكت بذلته .. أمسكت بفرشاة ملابسي ، وبدأت تنظيفه ؛ ثم سمعت تمتمته بالخارج :
- هو أنت عازب ؟!
لم أتعجب من كلماته ، فالشقة غير مرتبة تخلو من لمسات الأنوثة التي طالما تستشعرها عند دخولك منزل أحد الأقارب ؛ فضحكت و بادلته الحديث :
- آه .. عازب ..
- هو فين والدك ، أو والدتك ؟
أغضبتني تلك الكلمات كثيراً ؛ فخرجت علي الفور و أنا أحمل الجاكت في يدي ، والفرشاة في اليد الأخرى و أحدثه بحدة :
- و ليه الأسئلة الكتير دي ؟
ضحك ؛ ثم تنقل بخطوات هادئة بين جدران الغرفة يتفحص شهاداتي المعلقة عليها و هو يتابع بكلماتٍ ناعمةٍ :
- مش قصدي .. بس إحنا بندردش .. بنتعرف علي بعض ..
أكملت حديثي و هو مازال يعطيني ظهره :
- أمي و أبويا مـَيتين .. و أنا عايش في الشقة دي أنا و أخويا سعيد .. هو في كلية
حقوق ..
توقف أمام صورة كبيرة معلقة في صدر الصالة ثم استدار ببطء وهو ينزع نظارته الشمسية عنه .. علي الفور سقطت الفرشاة من يدي و تابعها الجاكت فرفعتهما سريعاً من الأرض وأنا أقبل الفرشاة، وبدأت أتمتم بكلماتٍ تكاد تكون مفهومة :
- ه..هو .. أنت .. قصدي .. حضرتك .. هو مش أنت أنت باردوا ؟! و لآ أنا .. إيه ؟
تصاعدت أصوات ضحكاته التي شعرت و كأنها زلزالاً يضرب المنزل فصداها يرعبني – نظراً لقلة أساس المنزل – إن من يقف أمامي هو الرئيس – بشحمة ولحمة – قد كان يتفقد أحوال رعيته فإذا به يتجول داخل الصالة ، وارتاح علي أريكتي – هعرضها في متحف – ثم تفحص بعض الكتب الموضوعة داخل مكتبتي بجواره .. أمسك واحداً ؛ ثم بادلني نظرة لم أفهم منها شيئاً هل هو مستاء ، أم ؟ لا أعلم !! .. قرأ عنوان الكتاب بتأنٍ :
- " بـــن لادن يعلـــن الحــــرب " ..
صمت قليلاً وصمته يقتلني .. فبادلته بكلمات مسرعة و كأني أسابق الزمن لأزيل سوء الفهم الذي قد يحدث :
- و الله مش بتاعي .. أنا لقيته في الكلية .. وماكنش عليه اسم حد .. ف .. فقولت آخده
أخليه عندي لحد ما يبان له صاحب .. و الله دا اللي حصل ..
وضع الكتاب علي المنضدة ، ثم توجه نحوي .. فجأة علت أصوات طرقات باب المنزل .. ارتفعت أكثر فأكثر ؛ فنهضت من نومي فالساعة تشير إلي الثانية بعد منتصف الليل .. إنه أخي سعيد .. يا لا سوء حظي العاثر .. لقد انتهي الحلم قبل أن أشكو له عن كل ما تمنيت .. ذهبت إلي سريري راجياً أن ألقاه مرة ثانية.
إلي اللقاء في الحلم التالي ..
تأليف / كمال الصياد