اليوم هو السبت من شهر مارس الموافق خمسة منه ، استيقظت و أنا في قمة الأرق و الضيق بسبب ما بـَدّر من أخي سعيد و ضياعه الحلم الذي سعيت ورائه ؛ فكل هذا قد نبأني بسوء حظي العاثر اليوم .
خرجت كعادتي من المنزل و أنا أترنح فوق قوالب الطوب لأتفادى السقوط في مياه الصرف الصحي التي وصلت حتى الرُكـَب ؛ لكن ما لفت انتباهي أن في الحلم بالأمس لم تظهر تلك الصورة المؤلمة فقد كان الشارع مرصوفاً ، و الزهور أمام كل منزل .. ضحكت بداخلي فكيف لي أن أتخيل الرئيس و هو يتحرك بنفس طريقتي فوق قوالب الطوب ؛ لكن الأغرب من ذلك أن الزيف و الخداع قد تسرب أيضاً إلي أحلامنا فبتلقائية تبدلت الأمور ، جاء رئيس حي الأحلام ، ورصف الشارع كما أضاف الزهور علي جانبي الطريق قبل زيارة سيادة الرئيس – في الأحلام – استوطن اللا مألوف الوجدان ؛ حتى الأحلام أصبح لها حراس و قوانين ، صار لها ضوابط حتى آخر رمق في أرواحنا .. حتى الأحلام !!
وصلت مكتبي و كما هو متوقع بـدأت إخـلاص في ممارسة هوايتها المفضلة – الرغي و النميمة – جلست بجواري تسرد قصة شاكر و المدير و عن الجدل الذي دام بينهما لمدة ربع الساعة حتى انتهي الموقف بتوقيع الجزاء علي شاكر – الكسول – الذي يتوانى عن تأدية واجبه في خدمة المواطنين ؛ انتهت إخلاص من وصلة النميمة مع آخر رشفة لي من فنجان القهوة الذي وضعته من يدي ، ثم أمسكت بدفاتري لإنهاء عملي الذي لا يزيد عن ساعة ونصف من جملة الثماني ساعات ، لم ينال الموقف إعجاب إخلاص فانسحبت ببطء في صمت لكي تنتهي هي الأخرى من عملها .
لا أستطيع العمل فمازال الحلم يمتلكني ، لا أستطيع التخلي عن التفكير في لقائنا التالي ولكن كيف..؟! وجدتها فطريقة جدتي باءت بالنفع ، لكن هل يجدي ذلك نفعاً في المرة المقبلة ذهبت إلي مطعمي المعتاد و اشتريت وجبة غدائي ؛ ثم توجهت إلي منزلي ؛ فنحن وقت الظهيرة .. ما أن دخلت شقتي حتى وقع بصري علي الأريكة .. جلست عليها ووضعت طعامي علي المنضدة و قلت في نفسي :
- " ياااه .. لو كان الريس معايا علي الغدا .. يا سلاااام يا واد يا كيمو .. دا يبقي حلم"
انتهيت من تناول طعامي .. أشعر بالنعاس ، حتى أنني تكاسلت عن تنظيف المائدة و حدثت نفسي :
- هو أنا لو نمت علي الكنبة اللي حلمت بالريس عليها قبل كدا .. أكيد هحلم بيه تاني
عند نفس الحتة اللي اتقطع عندها الحلم ..
هكذا تلألأت الفكرة في عيني فوضعت رأسي علي الوسادة ، واستغرقت في ثـُبَات عميق بعد لحظات سمعت طرقات متتالية علي باب الشقة إنها ليست لأخي هذه المرة فأنا لم أنهض من مكاني بعد حتى انكسر باب الشقة ووجدت ثلاث رجال يرتدون بدلات سوداء ، ونظارات شمسية تقدم أوسطهم ، و كما يبدو انه المسئول عن كل تلك الفوضى و تحدث بكلمات تخلو من العنف ، فابتسامته تقتلني فأنا أعلم ما هو الوضع الذي أوقعت نفسي فيه نهضت من مكاني ببطء ، و أكاد أسمع ضربات قلبي تتغني علي ألحان العندليب – مشيت علي الأشواك – فوضع يده علي كتفي ليجلسني و قام الرجل عن يمينه بوضع كرسي له ليجلس أمامي ثم بدأ يتحسس جبهتي التي بدأت تمطر العرق الغزير ثم رفع نظارته الشمسية و لفظ كلمات متأنية :
- ازيك يا شاعر ..
تلك الحروف التي مضت عقدت لساني عن الحديث ، و لكنني اكتفيت بالنظر إليه مشيراً له برأسي و ابتسامتي البلهاء عن رضاً تاماً اتكأ للخلف قليلاً ثم استطرد :
- كنت عايز تقابل الريس ليه يا فنان ؟!
أشرت له برأسي بالنفي ، فأنا في تلك اللحظة أشعر ببرودة تتملك جسدي بالكامل ، وحلقي جف حتى من الحروف ثم وقع بصري علي زجاجة الماء علي المنضدة فتابعها بنظراته ثم ضحك بصوتٍ عالٍ صم أذني ، و كأن المنزل ينهار .. إعصار يجتاح أحاسيسي ثم توقف ، و أفرغ بعض الماء في الكوب و أعطاني :
- خد .. أشرب ..
شربت كوب الماء ، وشربت معي ثيابي ، بينما الرجلان خلفه يمطراني بنظرات تقذف الرعب داخلي ، تمالكت نفسي ثم وضعت الكوب من يدي و ، أنا أحدثه بلطف:
- حضرتك مين ؟
- إحنا ؟! مش مهم .. بس شاكلك كدا وطني !!
تحدثت بسذاجتي المعتادة دون تردد :
- لأ .. وفدي ..
دويت ضحكاتهم الثلاثة ؛ فوجدتني أبادلهم الضحكات بطرافة علي غير العادة فصمت الجميع بعد أن أطاح زجاجة الماء بيديه و تحدث غاضباً :
- أنت هتستهبل ؟ ..
نهض و دار في الغرفة ، أزاح قليل الكتب من مكتبتي ، ثم أمسك بكتاب " بن لادن يعلن الحرب " و قرأ عنوانه بإسهاب :
- جميل الكتاب دا .. أنت بتتبني أفكار تنظيم القاعدة ؟
ضحكت و أنا علي يقين تام بأنه لا يعلم بعد بأن الرئيس قرأ العنوان مسبقاً ، ولم ينال كل هذا الكم من الغضب ، نظر لي في سخرية ، و استنكار :
- بتضحك علي إيه ؟
- لا ما فيش .. بس مش معني إن عندي كتاب يبقي أنا بتبني أفكاره ..
جلس علي المقعد وكأنه في تحقيق رسمي و بدأ في تناوب الأسئلة الواحد تلو الآخر حتي إن انتهي من أحدهم أكون قد نسيت السابق له ، ثم بدأ في آخرهم و هو يهم من مقعده ويدور حولي نصف دورة ، هامساًَ في أذني :
- هو أنت بقي بتاع الأحلام ؟!
- أنا حلمت خير اللهم اجعله خير قال إيه .. أنا لابس أبيض في أبيض ، وطاير في
السما .. بس كان فيه حاجة غريبة جداً !!
- زي إيه ؟
- كانت رجلي بتنزل دم ..
أخرج مسدساً من طيات ملابسه ثم وجهه لرأسي متحدثاً بغلظة :
- تلاقي حد افتكرك حمامة وضربك عيار ..
قبلتُ يده و أنا أكاد أبكي :
- وليه ما تقولش عين وصابتني ؟!!
في تلك اللحظة ارتفع صوت هاتفي المحمول حتي أيقظني كان أخي سعيد ، ولكنه ليس من الباب هذه المرة ؛ إنما من التليفون كانت رسالته المعتادة – please call me!! – لا تعلمون مدي حبي لتلك الرسالة فقد أنقذتني من كابوس كاد يقتلني فتمنيت لو أن هاتف أخي أمامي لكي أقبل " سوكت شاحنه "
إلي اللقاء في الحلم التالي - إن عشنا وكان لنا عمر !! –
تأليف / كمال الصياد