الأربعاء، أغسطس 18، 2010

كتاب يوميات مجنون رسمي " الحلم الثالث "

مرت الأيام دون جدوى ؛ فأنا مازلت أتقلب علي جمر النار ، لا أستطيع النوم خوفاً من تلك الكوابيس التي باتت علي أعتاب خواطري ؛ فأنا – جبان جداً – لم أعتاد علي مثل هذه الأمور ، كيف أهرب من ذلك الكابوس المفزع الذي تطاردني هواجسه أينما ذهبت ؟! وجدتها .. مقولة جدتي " لو فيه حاجة مضيقاك ما تكتمش في نفسك.. فـَيًّصْ عن روحك و فضفض لأي حد .. عشان تزيح الهم عن صدرك .. يا ضنايا !! "


تلك الكلمات ترددت علي مسامعي فاليوم هو الجمعة – 13 منه – إنه موعد لقاء الأصدقاء المعتاد في منزل حسام ، وكما توقعت الجميع في انتظاري بما فيهم الآنسة إخلاص !! ؛ لكن هناك أمراً غريب لم أتعود عليه منذ لحظة دخولي ، وفجأة أفزعني مراد من خلف الباب فوجدتني أرتمي في أحضانه – زى زمان – و كأننا عدنا بالذاكرة إلي أيام الجامعة حين فزت في مباراة الملاكمة و حصلت علي المركز الأول ؛ فكان أول من قفز علي الحلبة مراد و أول من ارتميت في أحضانه وحملني علي كتفيه كان أيضاً مراد ..كل تلك الذكريات مرت في لحظات وكأني طفلاً يتشبث بتلابيب أمه من فرط الشوق و اللهفة ، ثم أمطرني بوابل من عبارات الحنين ، وذكريات الماضي ، و كأن الحجرة قد خلت من الجميع ؛ كانت لتدوم تلك اللحظات الجميلة ساعات و ساعات لكن صديقنا العزيز حسام أبي أن يحدث ذلك مقاطعاً :

- إيه ؟ هوا ما فيش غير كمال بس هنا ؟!! علي فكرة أنا كنت معاكم في نفس القسم

باردوا ..

انطلقت ضحكات الجميع تغرد في سماء الماضي وحنين الحاضر ؛ لكن جلال مازال يحقد علي تلك اللحظة غير عابئ بكل تلك السنوات التي غابها مراد عنا فهو لم يتعرف عليه قبل اليوم :

- و أنت مالك اليومين دول يا كيمو .. حالك مش عاجبني !!

اندفعت كلماتي كرصاص مدفع تخترق آذان الجميع :

- و أنت من إمتي بيعجبك حال أي حد يا .. جلجل ؟!!

صمت الجميع حتى غير حسام الموقف بضحكاته التي جذبت انتباه الجميع كما هو المعتاد .

بدأت في سرد قصتي مع الأحلام وصولاً بالكابوس الماضي وما أن انتهيت من تلك المشاهد حتى كان الجميع يبكي من فرط البهجة ، والسخرية ؛ بينما مراد يستمع في صمت ، و بابتسامه هادئة تحدث :

- لسه يا كمال زي ما أنت من أيام الجامعة .. رومانسي .. عاطفي زيادة عن اللزوم

.. نفسي تعيش الواقع شوية .. نفسي تبطل تحلم ..

- أمووووووت .. علي رأي محمد منير ...

- فاكر قصيدة الجامعة اللي كنت مشارك بيها .. كان اسمهااااااا..

قاطعه حسام في سرعة :

- أميرة حبي ..

ضحكاتنا الهستيرية نحن الثلاثة جذبت انتباه الكل حتى فضول الآنسة إخلاص ، واحمرار وجهها لم يمنعها من التساؤل :

- وهي مين أميرة حبي دي كماااااااان !!

لم يمنح مراد المجال لحسام حتى يتحدث و استطرد وهو يقطع وصلة الضحك :

- زمان و احنا في الجامعة .. كان كيمو بيعمل معرض في الشعر و الأدب ، كانت أغلب القصايد و القصص اللي في المعرض كانت باسمه .. و فيوم لقينا حسام جاي بيجري و بيقولنا .. إلحقو .. الصباغ بيظبط البنات في المعرض علي إنه كمال ..

تذكرت ذلك الموقف و كأنه كان بالأمس ؛ ففي يومها استأذنت من المعيد رضا قمر – رحمه الله في نفس العام – وذهبنا نحن الثلاثة إلي المعرض و بالفعل الصباغ يقف بين الفتيات يمدح في شعري علي أنها من أجمل ما كتب هو ؛ لقد انتحل شخصيتي – علي حياة عيني – فتسللنا من خلفه ، ووقفنا أمام أحد القصائد فكانت " أميرة حبي " ، وبدأنا في ذم القصيدة – ولعن سلسفيل جدود اللي كتبها – و كما كان متوقع انسحبت أحد الفتيات ووبختنا علي ما بدر منا خاصةً و أن مؤلف القصيدة يقف بجوارهن .. تبادلنا الضحكات وهنا قطع حسام حبل أفكاري و أكمل :

- و فجأة وش الصباغ بقي أحمر .. وكمال بيسألها هو فين الشاعر اللي كتبها ..
شاورت علي الصباغ علي إنه الشاعر العظيم كمال ..

قاطعه مراد وهو يتحدث عن موقفه مع نفس الفتاه :

- علي طول قولتلها لما دا كمال .. يبقي اللي جامبي دا مين ؟.. البنت بصت لكمال وباعدين بصت للصباغ اللي توه و بص في السقف و قالتله " هو مش انت كمال ".. رد عليها الصباغ و هو بيشاور علي كيمو .. لأ .. هو دا كمال .. وخاد ديله في سنانه و قال يا فكيك ..

أتذكر أن الفتيات لم يقتنعن حتى رأين الكارنية الخاص بي ، وتفحصن الصورة بعناية ، ومنذ ذلك الحين و نحن لا ننسي صديق العمر الصباغ – أعاده الله بخير من أرض الحجاز - ، و هنا انفرجت أسارير الآنسة إخلاص .. انخرط الجميع في الحديث عن الجامعة و نسينا سؤال مراد عن غربته ؛ فقررت في اللقاء القادم أن أسأله ؛ لكنني الآن في منزلي و أشعر بكثير من الإرهاق و التعب .. ارتميت علي الأريكة حتى دون أن أبدل ثيابي ؛ وفجأة عدت إلي حلم الرئيس معي و هو يحمل كتاب " بن لادن يعلن الحرب " و يقترب نحوي ، فوجدتني أرجع عدة خطوات للخلف لا أعلم لماذا ؟! و لكن هذا ما حدث محاولاً تبرير موقفي :

- و الله الكتاب دا مش بتاعي ..

ضحك ثم هدأ من روعي و استطرد حديثه الممتع :

- الكتاب موجود في السوق .. و دي كمان الطبعة التانية .. تفتكر هو لو مش كويس

كنا هنسمح بنشره ..

عاد يتفحص الجدران مرة أخري ، ثم ابتسم وهو يشاهد صور الرؤساء الثلاثة في صدر أحد الجدران ، و في الجدار المقابل الكثير من الشهادات المعلقة هنا و هناك تفحصهم وهو يردد بعض الكلمات :

- بكالوريوس العلوم في الكيمياء .. دبلوم الدراسات العليا في الكيمياء .. بطل الجمهورية في الملاكمة .. دورات كمبيوتر من الأكاديمية البريطانية .. علي شوية ميداليات تحابيش .. إيه الحلاوة دي ..

طلبت منه أن يعطيني منديل الأمان حتى أتحدث ، بالفعل ترك لي مساحة من الحرية لكي أتحدث – الفرصة جاتلي يا رجاااااله - ؛ لن أضيع أي لحظة هباء سوف أحكي :

- كل الشهادات دي و يا ريت عاجب ..

جلس علي الأريكة ثم رمقني متعجباً :

- أنت شغال إيه ؟!

- في الأرشيف .. موظف .. بالعقد ..

- طب عايز إيه تاني .. شغل و شغلناك ..

- أنت .. آسف حضرتك أنا ليا واحد صاحبي نفس القسم جواب القوى العاملة جابله تعيين في المساحة .. و عندي صديق تاني خريج آداب انجليزي جواب التعيين جاله محصل تبع الزبالة .. لآمؤاخذة النظافة ..

- إزاي ؟ كيميائي يشتغل في المساحة ؟! و آداب انجليزي يبقي في الزبالة ؟!!

- هو الأولاني دا ممكن عشان قصير قالوا هيقيس كويس .. أما التاني فعشان شبه الأجانب و معاه كمان لغة .. شغلوه كدا .. أما أنا فكنت شغال من أيام الجامعة في التطريز بتاع الملابس و المفروشات .. لحد ما جالي جواب التعيين مع البوسطجي .. كنت طاير من الفرحة قولت بس .. تقدير جيد جداً مش هيجيله أقل من بترول .. و ما كدبتش خبر و ظرفت البوسطجي حته بخمسين جنية حلاوة النجاح .. خادها و طاااار ، أنا فتحت الجواب و أمي زغرتت .. و الحمد لله ..

- و بعدين ؟

- مالقيتش البوسطجي عشان آخد منه الخمسين جنية .. و آديني شغال موظف أرشيف ..

اعتدل في جلسته و هو يتساءل :

- و ولدتك عملت إيه ؟

- قولت لحضرتك الحمد لله ..

- و نعم بالله .. عملت إيه ؟

- البقاء لله ..

- لوحدها كدا ؟!!

- لأ .. و أبويا معاها .. اتحسرت ..

- و أنت باين عليك مثقف .. و الشهادات ..

قاطعته بدون قصد وأنا – مغلول – أقف بجوار الشهادات :

- أهي الشهادات دي من حبي فيها كتبتلها أجمل قصيدة في حياتي .. أخدت بيها مركز أول .. اسمها " شهاداتك يا مصر " ..

- سمعني بتقول إيه ؟

- مابلااااااش ..

- لأ قول بس ..

- حضرتك اللي مصمم ..

و هنا حضرني موقف الفنان / محمد هنيدي عندما تحدث في فيلمه " فول الصين العظيم " مع أحد الأخوة العرب و كان يريد أن يتذوق طعامه وكان يحاول هنيدي أو محي منعه لكنه أصر ؛ و بالفعل ألقيت عليه القصيدة ..

شهاداتك يــــا مصر


شهاداتك يا مصر ..

متعلقة علي كآم جدار ..

باشوفها ..

بيجيلي انهيار ..

باعيش معاهم

الانتصار ،

و الانكسار ..

سهر الليالي ،

و تعب النهار ..

و أنا مــُصِر

إني أنتصِر ..

آخد شهادة ،

و أنكسِر ..

يا يجيلي كبت

و أقول تعبت

ما أنا لو هعيش

أد ما عشت

هافضل حمار ..

أو حتي جحش

واخد شهادة ،

و ما فلحش

ما أنا أصلي

مش ابن وزير ..

أول ما أخلَّص

أكون مدير ..

و القبض يبقي بالدولار ..

شهاداتك يا مصر ..

بكتيره تبقي ع الجدار ..


فنهض من علي الأريكة اصطدمت قدميه بالمنضدة فسقطت القلة علي الأرض و انكسرت فنهضت مفزوعاً من نومي ؛ فكانت القلة كسرت بالفعل لكن ليس من الرئيس ؛ و إنما من يدي التي أطاحت بها ..

لم يكن سعيد هذه المرة ، ولكنها القلة التي أيقظتني من أجمل أحلامي و أمتعها ، عاودت النوم مرة أخري عسي يكتمل الحلم ..

أراكم في الحلم القادم علي خير – أن عشنا وكان لينا عمر – !!


تأليف / كمال الصياد